(سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) الّتي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم (وَيُسْئَلُونَ) أي : عنها يوم القيامة. وهذا وعيد.
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ) أي : لو شاء عدم عبادة الملائكة (ما عَبَدْناهُمْ) وذلك لزعمهم الباطل أنّ عبادتهم بمشيئة الله (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي : لا يعلمون صحّة ما يقولون ، فقولهم باطل ، لأنّه لم يصدر عن علم (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) كاذبون ، كما يقول إخوانهم المجبّرة. ولا دليل على أنّهم قالوه مستهزئين لا جادّين ، ليكونوا عند المجبّرة مؤمنين ، وادّعاء ما لا دليل عليه باطل. على أنّ الله قد حكى عنهم على سبيل الذمّ والشهادة بالكفر : أنّهم جعلوا له من عباده جزءا ، وأنّه اتّخذ بنات وأصفاهم بالبنين ، وأنّهم جعلوا الملائكة المكرّمين إناثا ، وأنّهم عبدوهم.
وأيضا لو كانت هذه الكلمة الّتي نطقوا بها هزءا ، لم يكن لقوله تعالى : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) معنى.
ولمّا بين أقوالهم الزائغة ، ونفى أن يكون لهم بذلك علم من طريق العقل ، أضرب عنه إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل ، فقال :
(أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) بذلك الكتاب متمسّكون. ومعلوم أنّهم لم يمكنهم ادّعاء أنّ الله تعالى أنزل بذلك كتابا ، فعلم أنّ ذلك من تخرّصهم.
ولمّا لم يكن لهم على ذلك حجّة عقليّة ولا نقليّة ، جنحوا إلى تقليد آبائهم الجهلة ، كما حكى الله سبحانه عنهم بقوله : (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي : ملّة وطريقة تؤمّ ، أي : تقصد ، كالرحلة للمرحول إليه (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ).
ثمّ سلّى سبحانه رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أنّ التقليد في نحو ذلك ضلال قديم ، وأنّ مقدّميهم أيضا لم يكن لهم سند منظور إليه ، فقال :
(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ) في مجمع من الناس (مِنْ نَذِيرٍ) أي :