الّذي فطرني (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) أي : سيثبّتني على الهداية على الاستقبال ، كما هداني في الماضي والحال. أو سيهديني إلى ما وراء ما هداني إليه. ويحتمل أن يكون مجرورا بدلا من المجرور بـ «من» ، على أنّه استثناء متّصل. وذلك لأنّهم ـ كما قيل ـ كانوا يعبدون الله مع أوثانهم. وأن تكون «إلّا» صفة بمعنى غير ، على أن «ما» في «ما تعبدون» موصوفة ، تقديره : إنّني براء من آلهة تعبدونها غير الّذي فطرني.
فهو نظير قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١).
(وَجَعَلَها) وجعل إبراهيم أو الله كلمة التوحيد (كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) في ذرّيّته ، فيكون فيهم أبدا من يوحّد الله ويدعو إلى توحيده (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحّده وتاب عمّا هو عليه.
وعن أبي عبد الله عليهالسلام : «الكلمة هي الامامة إلى يوم القيامة».
وعن السدّي : أنّ المراد بالذرّيّة هم آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ ذكر سبحانه نعمه على قريش ، وهم من أعقاب إبراهيم ، فقال :
(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ) أي : هؤلاء المعاصرين من قريش (وَآباءَهُمْ) بالمدّ في العمر والنعمة ، ولم أعاجلهم بالعقوبة لكفرهم ، فاغترّوا بذلك ، وشغلوا بالتنعّم واتّباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) دعوة التوحيد أو القرآن (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر الرسالة بما له من المعجزات البيّنة. أو مبين للتوحيد بالحجج والآيات.
(وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) لينبّههم عن غفلتهم (قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) أي : زادوا شرارة ، فضمّوا إلى شركهم معاندة الحقّ والاستخفاف به ، فسمّوا القرآن سحرا وكفروا به ، واستحقروا الرسول.
(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) من إحدى القريتين :
__________________
(١) الأنبياء : ٢٢.