(وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) بأن أوقعنا بينهم التفاوت في الرزق وغيره ، فجعلنا منهم أقوياء وضعفاء ، وأغنياء ومحاويج ، وموالي وخدما (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) ليتسخّر بعضهم بعضا في أشغالهم وحوائجهم ، فيحصل بينهم تآلف وتضامّ ينتظم بذلك نظام العالم ، لا لكمال في الموسع ، ولا لنقص في المقتر (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) يعني : النبوّة وما يتبعها (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا.
ثمّ أخبر سبحانه عن هوان الدنيا عليه ، وقلّة مقدارها عنده ، فقال :
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) لولا كراهة أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفّار في سعة وتنعّم لحبّهم الدنيا ، فيجتمعوا عليه (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) بدل من «لمن» بدل الاشتمال. ويجوز أن يكون علّة ، مثل اللامين في قولك : وهبت له ثوبا لقميصه ، أي : لأجل قميصه. (سُقُفاً) جمع سقف. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : سقفا ، اكتفاء بجمع البيوت. (مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) ومصاعد. جمع معرج. (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يعلون السطوح ، لحقارة الدنيا (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) أي : من فضّة. حذفت اكتفاء بذكرها أوّلا. (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ).
(وَزُخْرُفاً) وزينة ، عطف على «سقفا». أو ذهبا ، عطف على محلّ «من فضّة». وفي معناه قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو وزنت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء».
وإنّما لم يوسع الدنيا على المسلمين ليرغب الكفّار في الإسلام ، لأنّ التوسعة عليهم مفسدة أيضا ، لما تؤدّي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا لا محض القربة ، فكانت الحكمة فيما دبّر ، حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء ، وغلّب الفقر على الغنى.
(وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) «إن» هي المخفّفة ، واللام هي الفارقة. وقرأ عاصم وحمزة وهشام بخلاف عنه : لمّا بالتشديد ، بمعنى «إلّا» ، و «إن» نافية.