روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يجدّ ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه ، وهم لا يزيدون على دعائه إلّا تصميما على الكفر وتماديا في الغيّ ، فأنكر سبحانه عليه بقوله : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) إنكار وتعجّب من أن يكون هو الّذي يقدر على هدايتهم ، بعد تمرّنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال ، بحيث صار عشاهم (١) عمى مقرونا بالصم (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين.
وفيه إشعار بأنّ الموجب لذلك تمكّنهم في ضلال لا يخفى ، فلا يضيقنّ صدرك تصميمهم على الكفر ، فإنّه لا يقدر على هدايتهم إلّا الله وحده على سبيل الإلجاء والقسر ، كقوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٢).
ولمّا وصفهم بشدّة الشكيمة بالكفر والضلال ، أتبعه شدّة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة ، فقال :
(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) «ما» مزيدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكّدة. والمعنى : فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ، ونشفي صدور المؤمنين منهم (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) بأشدّ الانتقام في الآخرة. كقوله : (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٣).
(أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب. وقرأ يعقوب برواية رويس : أو نرينك ، بإسكان النون. وكذا : نذهبن. (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) لا يفوتوننا.
قال الحسن وقتادة : إنّ الله أكرم نبيّه بأن لم يره تلك النقمة ، ولم ير في أمّته
__________________
(١) عشي يعشى عشا : ساء بصره بالليل والنهار.
(٢) فاطر : ٢٢.
(٣) غافر : ٧٧.