إلّا ما قرّت به عينه. وقد كان بعده عليه وآله السلام نقمة شديدة. وقد روي أنه صلوات الله عليه وآله أري ما تلقى أمّته بعده ، فما زال منقبضا ، ولم ينبسط ضاحكا حتّى لقي الله تعالى.
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «إنّي لأدناهم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجّة الوداع بمنى ، حتّى قال : لألفينّكم ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّني في الكتيبة الّتي تضاربكم. ثمّ التفت إلى خلفه فقال : أو عليّ أو عليّ ، ثلاث مرّات. فرأينا أنّ جبرائيل غمزه ، فأنزل الله على أثر ذلك : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) بعليّ بن أبي طالب».
وقيل : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أري الانتقام منهم ، وهو ما كان من نقمة الله من المشركين يوم بدر بعد أن أخرجوه من مكّة ، فقد أسر منهم وقتل مع قلّة أصحابه وضعف منّتهم (١) ، وكثرة الكفّار وشدّة شوكتهم.
ثمّ أمره سبحانه بالتمسّك بالقرآن ، فقال : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) فكن متمسّكا بما أوحينا إليك من الآيات والشرائع وبالعمل به (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لا عوج له ، ولا يحيد عنه إلّا ضالّ شقيّ. فزد كلّ يوم صلابة في المحاماة على دين الله ، ولا يخرجك الضجر بأمرهم إلى شيء من اللين والرخاوة في أمرك.
(وَإِنَّهُ) وإنّ الّذي أوحي إليك (لَذِكْرٌ) لشرف (لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) أي : عنه يوم القيامة ، وعن قيامكم بحقّه ، وعن تعظيمكم له ، وشكركم على أن رزقتموه وخصصتم به من بين العالمين.
(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال ، لإحالته ، بل في الكلام مضاف مقدّر ، تقديره : واسأل أممهم وعلماء دينهم. فإذا سألهم فكأنّه سأل الأنبياء. وقرأ ابن كثير والكسائي بتخفيف الهمزة. (أَجَعَلْنا
__________________
(١) المنة : القوة.