ففرحوا وضحكوا ، وسكت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١). ثمّ نزلت :
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) أي : مثلا ضربه ابن الزبعرى (إِذا قَوْمُكَ) قريش (مِنْهُ) من هذا المثل (يَصِدُّونَ) يضجّون فرحا وضحكا ، لظنّهم أنّ الرسول صار ملزما به.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضمّ من الصدود ، أي : يصدّون عن الحقّ ويعرضون عنه. وقيل : هما لغتان ، نحو يعكف ويعكف.
(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) أي : آلهتنا خير عندك أم عيسى ، فإن كان عيسى في النار فلتكن آلهتنا معه (ما ضَرَبُوهُ لَكَ)
(إِلَّا جَدَلاً) ما ضربوا هذا المثل إلّا لأجل الجدل والغلبة ، لا لتمييز الحقّ من الباطل (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) شداد الخصومة ، حراص على اللجاج ، كقوله تعالى : (قَوْماً لُدًّا) (٢).
ولا شبهة أنّ قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) (٣) ما أريد به إلّا الأصنام. وكذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «هو لكلم ولآلهتكم ولجميع الأمم» إنّما قصد به الأصنام ، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة. إلّا أنّ ابن الزبعرى لخداعه وخبث دخلته (٤) ، لمّا رأى كلام الله ورسوله محتملا لفظه وجه العموم ، مع علمه بأنّ المراد به أصنامهم لا غير ، وجد للحيلة مساغا ، فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكلّ معبود غير الله ، على طريق فرط الجدال وحبّ المكابرة والمغالبة ، وتوقّح (٥) في ذلك ، فتوقّر رسول
__________________
(١) الأنبياء : ١٠١.
(٢) مريم : ٩٧.
(٣) الأنبياء : ٩٨.
(٤) الدخلة : باطن الأمر.
(٥) أي : قلّ حياؤه وأظهر الوقاحة.