نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) لولدنا منكم يا رجال (مَلائِكَةً) كما ولدنا عيسى من غير أب ، لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر. أو لجعلنا بدلا منكم ملائكة (فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) يخلفونكم في الأرض ، بأن أهلكناكم وجعلنا الملائكة بدلكم سكّان الأرض يعمرونها ويعبدون الله.
والمعنى : أنّ حال عيسى وإن كانت عجيبة ، فالله تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك. وأنّ الملائكة مثلكم ، من حيث إنّها ذوات ممكنة وأجسام حادثة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا ، وذات القديم متعالية عن الحدوث والإمكان ، فمن أين لهم استحقاق الألوهيّة والانتساب إلى الله سبحانه؟
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) وإنّ عيسى ، أي : نزوله من السماء شرط من أشراطها ، يعلم منه دنوّها. فسمّى الشرط علما لحصول العلم به. أو إحياؤه الموتى يدلّ على قدرة الله على النشر الّذي هو أوّل ساعات القيامة. والأوّل أكثر وأشهر.
وأورد مسلم في الصحيح قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم : تعال صلّ بنا. فيقول : لا إنّ بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة من الله لهذه الأمّة» (١).
وفي الحديث أيضا : «ينزل عيسى على ثنيّة بالأرض المقدّسة يقال لها : أفيق ، وعليه ممصرتان ، أي : حلّتان ، وشعر رأسه دهين ، وبيده حربة ، وبها يقتل الدجّال. فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح والإمام يؤمّ بهم ، فيتأخّر الإمام ، فيقدّمه عيسى ويصلّي خلفه على شريعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. ثمّ يقتل الخنازير ، ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلّا من آمن به».
وعن الحسن : الضمير للقرآن ، فإنّ فيه الإعلام بالساعة والدلالة عليها. وفي حديث آخر : «كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم».
__________________
(١) صحيح مسلم ١ : ١٣٧ ح ١٥٦.