وتمكينهم من التمثيل بصورة النبيّ ، ومن القعود على سريره ، قبيح. وأيضا لا يجوز عقلا أن تكون النبوّة في الخاتم ، ويسلبها عن النبيّ عند الخلع.
وأمّا اتّخاذ التماثيل ، فيجوز أن تختلف فيه الشرائع. ألا ترى إلى قوله : (مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) (١). وأمّا السجود للصورة ، فلا يظنّ بنبيّ الله أن يأذن فيه. وإذا كان بغير علمه فلا عليه. وقوله : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) ناب وآب عن إفادة معنى إنابة الشيطان منابه نبوّا وإباء ظاهرا.
(قالَ) على وجه الانقطاع إلى الله (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ) لا يتسهّل له ولا يكون ، لعظمته (مِنْ بَعْدِي) أي : من دوني. ولا يستلزم منه الحسد والحرص على الاستبداد بالنعم ، حيث استعطى الله ما لا يعطيه غيره ، لأنّه عليهالسلام كان ناشئا في بيت الملك والنبوّة ، وارثا لهما. فأراد أن يطلب معجزة ، فطلب على حسب ألفه (٢) ملكا زائدا على الممالك ، زيادة خارقة للعادة بالغة حدّ الإعجاز ، ليكون ذلك دليلا على نبوّته قاهرا للمبعوث إليهم ، وأن يكون معجزة تخرق العادات. فذلك معنى قوله : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي).
وقيل : كان ملكا عظيما ، فخاف أن يعطى أحد مثله ، فلا يحافظ على حدود الله فيه.
وقيل : ملكا لا اسلبه ولا يقوم غيري فيه مقامي ، كما سلبته مرّة وأقيم مقامي غيري.
ويجوز أن يقال : علم الله فيما اختصّه به من ذلك الملك العظيم مصالح في الدين ، وعلم أنّه لا يضطلع بأعبائه غيره ، وأوجبت الحكمة استيهابه ، فأمره أن يستوهبه إيّاه ، فاستوهبه بأمر من الله على الصفة الّتي على الله أنّه لا يضبطه عليها إلّا
__________________
(١) سبأ : ١٣.
(٢) مصدر : ألف يألف ألفا.