هو وحده دون سائر عباده.
أو أراد أن يقول : ملكا عظيما ، فقال : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي). ولا يقصد بذلك إلّا عظم الملك وسعته ، كما تقول : لفلان ما ليس لأحد من الفضل والمال ، وربّما كان للناس أمثال ذلك ، ولكنّك تريد تعظيم ما عنده.
وكيف يكون نبيّ الله موصوفا بالصفات السيّئة الرديئة ، من الحسد والضنّة (١) والمنافسة ، والحال أنّ الغرض من بعثة الأنبياء تزكيتهم عن الأخلاق السيّئة المذمومة ، وتعليمهم الأخلاق الحسنة المرضيّة؟! فكيف أمروا بما لم يتّصفوا به؟
وما ذلك إلّا اعتقاد الزنادقة ، ومنهم الحجّاج لعنه الله حين قيل له : إنّك حسود ، فقال : أحسد منّي من قال : «هب لي ملكا». ومن جرأته على الله وشيطنته أنّه قال : طاعتنا على العباد أوجب من طاعة الله عليهم ، لأنّه شرط في طاعته فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٢) ، وأطلق طاعتنا فقال : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٣).
وتقديم الاستغفار على الاستيهاب جريا على عادة الأنبياء والصالحين في مزيد اهتمامهم بأمر دينهم ، وتقديمه على أمور دنياهم ، ووجوب تقديم ما يجعل الدعاء بصدد الإجابة. وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء. (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) المعطي ما تشاء لمن تشاء.
ثمّ بيّن سبحانه أنّه أجاب دعاه بقوله : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) فذلّلناها لطاعته إجابة لدعوته (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) من الرخاوة ، أي : ليّنة لا تزعزع. أو مطيعة لا تخالف إرادته ، كالمأمور المنقاد. (حَيْثُ أَصابَ) حيث قصد وأراد. من قولهم : أصاب الصواب فأخطأ الجواب. عن رؤبة : أنّ رجلين من أهل اللغة قصداه ليسألاه
__________________
(١) الضنّة : البخل.
(٢) التغابن : ١٦.
(٣) النساء : ٥٩.