وفيه دليل على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستّة أشهر ، لأنّه إذا حطّ منه للفصال حولان ـ لقوله : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (١) ـ بقي ستّة أشهر. وبه قال الأطبّاء. ولعلّ تخصيص أقلّ الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما ، وتحقّق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما.
(حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) إذا اكتهل (٢) واستوفى السنّ الّتي تستحكم فيها قوّته وعقله وتمييزه ، وذلك إذا أناف (٣) على الثلاثين وناطح الأربعين. وعن ابن عبّاس وقتادة : ثلاث وثلاثون سنة. ووجهه : أن يكون ذلك أوّل الأشدّ ، وغايته الأربعين.
ولهذا عطف عليه عطفا تفسيريّا فقال : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) فإنّه بيان لزمان كمال الأشدّ. وقيل : لم يبعث نبيّ إلّا بعد الأربعين.
(قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني. وأصله : أولعني ، من : أوزعته بكذا. (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) يعني : نعمة الإسلام ، أو ما يعمّها وغيرها. وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه ، لأنّ النعمة عليهما نعمة عليه.
(وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) نكّره للتعظيم ، أو لأنّه أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا الله عزوجل. وقيل : هو الصلوات الخمس.
(وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) واجعل لي الصلاح واقعا ساريا في ذرّيّتي راسخا فيهم (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) عمّا لا ترضاه ، أو يشغل عنك (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) المنقادين لأمرك ، المخلصين لك.
(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يعني : طاعاتهم الواجبة والمندوبة بإيجاب الثواب لهم ، فإنّ المباح حسن ولا يثاب عليه (وَنَتَجاوَزُ عَنْ
__________________
(١) البقرة : ٢٣٣.
(٢) أي : صار كهلا. والكهل : من كانت سنو عمره بين الثلاثين والخمسين تقريبا.
(٣) أي : زاد. وناطح كناية عن الوصول ، من : نطح الثور إذا أصاب بقرنه.