(وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) انتفعتم بها ، فما بقي لكم منها شيء.
والمعنى : ما كتب لكم حظّ من الطيّبات إلّا ما قد أصبتموه في دنياكم ، وقد ذهبتم به وأخذتموه ، فلم يبق لكم بعد استيفاء حظّكم شيء منها.
وقيل : معناه : أنفقتم طيّبات ما رزقتم في شهواتكم وفي ملاذّ الدنيا ، ولم تنفقوها في مرضات الله عزوجل.
(فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) الهوان (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) بسبب الاستكبار الباطل ، والفسوق عن طاعة الله.
واعلم أنّ الله سبحانه لمّا وبّخ الكفّار بالتمتّع بالطيّبات واللذّات في هذه الدار ، آثر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين عليهالسلام الزهد والتعفّف ، واجتناب الترفّه والنعمة. وقد ورد في الحديث أنّ عمر بن الخطّاب قال : استأذنت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فدخلت عليه في مشربة أمّ إبراهيم ، وإنّه لمضطجع على خصفة (١) ، وإنّ بعضه لعلى التراب ، وتحت رأسه وسادة محشوّة ليفا. فسلّمت ثمّ جلست فقلت : يا رسول الله أنت نبيّ الله وصفوته وخيرته من خلقه ، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أولئك قوم عجّلت طيّباتهم ، وهي وشيكة الانقطاع ، وإنّما أخّرت لنا طيّباتنا».
وقال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في بعض خطبه : «والله لقد رقعت مدرعتي (٢) هذه حتّى استحييت من راقعها. ولقد قال لي قائل : الا تنبذها؟ فقلت : اعزب (٣) عنّي ، فعند الصباح يحمد القوم السرى».
وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال : «والله كان عليّا عليهالسلام ليأكل
__________________
(١) الخصفة : الثوب الغليظ ، أو جلّة تعمل من الخوص.
(٢) المدرعة : جبّة مشقوقة المقدّم.
(٣) أي : ابتعد عنّي.