هو الّذي قال الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما). فسمعت عائشة فغضبت وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمّيه لسمّيته ، ولكنّ الله لعن أباك وأنت في صلبه ، فأنت فضض (١) من لعنة الله.
والأصحّ : أنّ الآية عامّة في كلّ كافر عاقّ لوالديه ، كما يدلّ عليه قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : كلمة العذاب بأنّهم أهل النار (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقوله : «فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ» (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) بيان للأمم. والمعنى : حالهم على مثل حال أولئك ، واعتقادهم كاعتقادهم. (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) لأنفسهم. تعليل للحكم على الاستئناف.
(وَلِكُلٍ) من الفريقين ، أعني : المؤمنين البررة ، والكافرين الفجرة (دَرَجاتٌ) مراتب عالية (مِمَّا عَمِلُوا) من جزاء ما عملوا من الخير والشرّ. أو من أجل ما عملوا منهما. والدرجات غالبة في المثوبة ، وها هنا جاءت على التغليب.
وحقيقة المعنى : قدّر جزاءهم على مقادير أعمالهم ، فجعل الثواب درجات ، والعقاب دركات. (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بعقاب لا يستحقّونه ، أو بمنع ثواب يستحقّونه. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وابن ذكوان بالنون.
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يعذّبون بها ، كما يقال : عرض بنو فلان على السيف ، إذا قتلوا به. ومنه قوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) (٢). أو يكون المعنى : عرضت النار عليهم قبل أن يدخلوها ليروا أهوالها.
(أَذْهَبْتُمْ) أي : يقال لهم : أذهبتم. وهو ناصب اليوم. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالاستفهام ، غير أنّ ابن كثير يقرأ بهمزة ممدودة ، وهما يقرآن بها وبهمزتين محقّقين. (طَيِّباتِكُمْ) لذائذكم (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) باستيفائها
__________________
(١) الفضض : كلّ متفرّق ومنتشر. أي : أنت حصيلة تلك اللعنة ، فضضت وتفرّقت منها.
(٢) غافر : ٤٦.