أنّ الرسل بعثوا مبلّغين منذرين ، لا معذّبين مقترحين غير ما أذن لهم فيه.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ) رأوا ما يوعدون. والهاء تعود إلى «ما تعدنا». (عارِضاً) سحابا عرض في أفق السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) متوجّه أوديتهم. والإضافة فيه لفظيّة. وكذا في قوله : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) أي : يأتينا بالمطر.
روي : كانت عاد قد حبس عنهم المطر أيّاما ، فساق الله إليهم سحابة سوداء خرجت عليهم من واد لهم يقال له : المغيث ، فلمّا رأوه عارضا مستقبل أوديتهم استبشروا وقالوا : هذا سحاب عارض ممطرنا. فقال هود : ليس الأمر كما زعمتم (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب (رِيحٌ) هي ريح. ويجوز أن يكون بدل «ما» (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) صفتها. وكذا قوله : (تُدَمِّرُ) تهلك (كُلَّ شَيْءٍ) من نفوسهم وأموالهم (بِأَمْرِ رَبِّها). وإضافة الربّ إلى الريح دلالة على أنّ الريح وتصريف أعنّتها ممّا يشهد لعظم قدرته ، لأنّها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر ، وكونها مأمورة من جهته عزّ وعلا ، يعضد ذلك ويقوّيه.
(فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي : فجاءتهم الريح فدمّرتهم ، فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لما ترى إلّا مساكنهم. وقرأ عاصم وحمزة : لا يرى إلّا مساكنهم ، بالياء المضمومة ، ورفع مساكنهم.
روي : أنّ الريح كانت تحمل الفسطاط والظعينة (١) فترفعها في الجوّ حتّى ترى كأنّها جرادة.
وقيل : أوّل من أبصر العذاب امرأة منهم قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النار. وروي : أوّل ما عرفوا به أنّه عذاب : رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير به الريح بين السماء والأرض ، فدخلوا بيوتهم وغلّقوا أبوابهم ، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم ، وأمال الله عليهم الأحقاف ، فكانوا تحتها سبع ليال
__________________
(١) الظعينة : الهودج.