ثمّ ذكر مآل حال الفريقين بقوله : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) من تحت أشجارها وأبنيتها (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) ينتفعون بمتاع الدنيا أيّاما قلائل (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) في مسارحها ومعالفها ، غافلة عمّا هي بصدده من النحر والذبح. فهم أيضا يكونون حريصين غافلين عن وخامة العاقبة ، غير مفكّرين فيها. (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) منزل ومقام لهم.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه. كأنّه قال : وكم من قرية هم أشدّ قوّة من قومك الّذين أخرجوك ، أي : كانوا سبب خروجك. (أَهْلَكْناهُمْ) بأنواع العذاب (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) يدفع عنهم العذاب. وهو كالحال المحكيّة ، كقولك : أهلكناهم فهم لا ينصرون.
ثمّ قال سبحانه على وجه التهجين والتوبيخ للكفّار والمنافقين :
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) حجّة واضحة من عنده. وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات. أو ما يعمّه من الحجج العقليّة للمؤمنين. (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) من الشرك والمعاصي. وهم أهل مكّة الّذين زيّن لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله. (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) شهواتهم في ذلك ، لا شبهة لهم عليه فضلا عن حجّة. وتوحيد الضمير أوّلا وجمعه ثانيا على اللفظ والمعنى.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) صفة الجنّة العجيبة الشأن فيما قصصنا عليك. وقيل : هو مبتدأ خبره (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) الآتي بعد.
وهذا كلام صورته الإثبات ، ومعناه النفي والإنكار ، لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الإنكار ، ودخوله في حيّزه ، وانخراطه في سلكه. فهو كقوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ). فكأنّه قيل : أمثل أهل الجنّة