وعن الشعبي : نزلت هذه السورة بالحديبية ، وأصاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك الغزوة ما لم يصب في غزوة. أصاب : أن بويع بيعة الرضوان ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وظهرت الروم على فارس ، وبلغ الهدي محلّه بعد الصلح ، وأطعموا نخل خيبر.
وعن جابر : ما كنّا نعلم فتح مكّة إلّا يوم الحديبية.
وقيل : المراد فتح خيبر. وقيل : فتح الروم. وقيل : الفتح القضاء ، من الفتاحة ، وهي الحكومة ، أي : قضينا لك أن تدخل مكّة من قابل.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) علّة للفتح من حيث إنّه مسبّب عن جهاد الكفّار ، والسعي في إزالة الشرك ، وإعلاء الدين ، وتكميل النفوس الناقصة قهرا ، ليصير ذلك التكميل بالتدريج اختيارا ، وتخليص الضعفة عن أيدى الظلمة (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). قد قيل فيه أقوال ، كلّها غير موافق لما يذهب إليه أصحابنا أنّ الأنبياء معصومون من الذنوب كلّها ، صغيرها وكبيرها ، قبل النبوّة وبعدها.
فمنها : أنّهم قالوا : معناه : ما تقدّم من معاصيك قبل النبوّة ، وما تأخّر عنها.
ومنها : قولهم : ما تقدّم الفتح ، وما تأخّر عنه.
ومنها : قولهم : ما وقع وما لم يقع ، على الوعد بأنّه يغفر له إذا وقع.
ومنها : قولهم ما تقدّم من ذنب أبويك آدم وحوّاء ببركتك ، وما تأخّر من ذنوب أمّتك بدعوتك.
والكلام في ذنب آدم كالكلام في ذنب نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن حمل ذلك على الصغائر الّتي تقع محبطة عندهم ، فالّذي يبطل قولهم أنّ الصغائر إذا سقط عقابها وقعت مكفّرة ، فكيف يجوز أن يمنّ الله سبحانه على نبيّه بأن يغفرها له؟ وإنّما يصحّ الامتنان والتفضّل منه سبحانه بما يكون له المؤاخذة به ، لا بما لو عاقب به لكان ظالما عندهم. فوضح فساد قولهم.
ولأصحابنا فيه وجهان من التأويل : أحدهما : أنّ المراد : ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنب أمّتك وما تأخّر بشفاعتك. وأراد بذكر التقدّم والتأخّر ما تقدّم زمانه وما تأخّر ، كما يقول القائل لغيره : صفحت عن السالف والآنف من ذنوبك. وحسنت إضافة ذنوب أمّته إليه ، للاتّصال والسبب بينه وبين أمّته.
ويؤيّد هذا الجواب ما رواه المفضّل بن عمر عن الصادق عليهالسلام قال : «سأله