لمز نفسه حقيقة. واللمز : الطعن باللسان. وقرأ يعقوب بالضمّ (١).
وعن ابن عبّاس : أنّ صفيّة بنت حييّ أتت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : إنّ النساء يعيّرنني ويقلن لي : يا يهوديّة بنت يهوديّين. فقال لها : «هلّا قلت : إنّ أبي هارون ، وعمّي موسى ، وزوجي محمّد».
وكان من شتائمهم لمن أسلم من اليهود : يا يهوديّ ، يا فاسق ، فنهوا عنه بقوله : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) لا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء ، فإنّ النبز مختصّ بلقب السوء عرفا (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) الاسم ها هنا بمعنى الذكر ، من قولهم : طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم ، كما يقال : طار ثناؤه وصيته.
وحقيقته : ما سما من ذكره وارتفع بين الناس. فالمعنى : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب السخريّة والتنابز ، أن يذكروا بالفسق بعد دخولهم في الإيمان واشتهارهم به. والمراد به إمّا تهجين نسبة الكفر والفسق إلى المؤمنين ، أو استقباح الجمع بين الإيمان وبين الفسق الّذي يأباه الإيمان ويحظره ، كما تقول : بئس الشأن بعد الكبرة (٢) الصبوة.
(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) عمّا نهى عنه (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) بوضع العصيان موضع الطاعة ، وتعريض النفس للعذاب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) أي : كونوا على جانب. يقال : جنّبه الشرّ إذا أبعده عنه. وحقيقته : جعله منه في جانب. فيعدّى إلى مفعولين. قال الله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣). ثمّ يقال في مطاوعه : اجتنب الشرّ. فينقص المطاوعة مفعولا.
وإبهام الكثير ليحتاط في كلّ ظنّ ويتأمّل حتّى يعلم أنّه من أيّ القبيل ، فإنّ
__________________
(١) أي : ولا تلمزوا.
(٢) الكبرة : الكبر في السنّ. والصبوة : الميل إلى جهلة الصبيان.
(٣) إبراهيم : ٣٥.