أنذرهم به من البعث والرجع ، مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وعلى اختراع كلّ شيء وإبداعه ، وإقرارهم بالنشأة الأولى ، ومع شهادة العقل بأنّه لا بدّ من الجزاء. وللمبالغة في إنكارهم البعث وضع الظاهر موضع ضميرهم ، للشهادة على أنّهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم ، إذ الأوّل استبعاد لأن يفضل عليهم مثلهم ، والثاني استقصار لقدرة الله عمّا هو أهون ممّا يشاهدون من صنعه. فالتعجّب هنا أدخل في الإنكار.
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) منصوب بمضمر معناه : أحين نموت وصرنا ترابا ونبلى نرجع؟ ويدلّ على المحذوف قوله : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي : بعيد عن الوهم ، أو العادة ، أو الإمكان. وقيل : ذلك جواب من الله استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث. والرجع بمعنى المرجوع. والمعنى : ذلك الإنكار مرجوع ، أي : مردود بعيد عن العقل. وحينئذ ناصب الظرف ما دلّ عليه المنذر من المنذر به ، وهو البعث. وعلى هذا ؛ الوقف قبله حسن.
ثمّ ردّ استبعادهم الرجع بقوله : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ما تأكل من أجساد موتاهم. فمن لطف علمه حتّى تغلغل إلى ما تنقص الأرض من أجساد الموتى وتأكله من لحومهم وعظامهم ، كان قادرا على رجعهم أحياء كما كانوا. وقيل : إنّه جواب القسم. واللام محذوف ، لطول الكلام.
(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) حافظ لتفاصيل الأشياء كلّها. أو محفوظ عن التغيير ، أو عن الشياطين ، أو عن البلى والدروس. والمراد اللوح المحفوظ ، وهذا الكتاب الّذي كتب فيه جميع ما وقع ويقع إلى يوم القيامة. أو المراد صحائف أعمال العباد يكتبها الحفظة. ويجوز أن يكون المراد تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) إضراب أتبع الإضراب الأوّل ، للدلالة على أنّهم جاءوا