علموا ـ عن الخلق الأوّل حتّى نعجز عن الثاني. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأوّل ، واعترافهم بذلك في طيّه الاعتراف بالقدرة على الإعادة ، بل هم في خلط وشبهة قد لبّس عليهم الشيطان وحيّرهم.
وأصل اللبس المنع من إدراك الشيء بما هو كالستر له. والجديد : القريب الإنشاء. ومنه قول عليّ عليهالسلام : «يا حار إنّه لملبوس عليك ، اعرف الحقّ تعرف أهله».
ولبس الشيطان عليهم : تسويله إليهم أنّ إحياء الموتى أمر خارج عن العادة. فتركوا لذلك القياس الصحيح المنصوص العلّة ، وهو أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر. والجديد بمعنى القريب.
وتنكير الخلق والجديد ليدلّ على أنّ له شأنا عظيما وحالا شديدة ، حقّ من سمع به أن يهتمّ به ويخاف ، ويبحث عنه ، ولا يقعد على لبس في مثله. وللإشعار بأنّه على وجه غير متعارف ولا معتاد.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) جنس البشر (وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) ما تحدّثه به نفسه وما يخطر بالبال ، فإنّ وسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ، ويهجس (١) في ضميره من حديث النفس. وأصل الوسوسة : الصوت الخفيّ. ومنها : وسواس الحليّ. والضمير لـ «ما» إن جعلت موصولة. والباء مثلها في قولك : صوّت بكذا وهمس (٢) به. وإن جعلت مصدريّة فالضمير لـ «الإنسان». والباء للتعدية.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) إسناد القرب إلى الله مجاز. والمراد قرب علمه منه ، كما يقال : الله في كلّ مكان ، وقد جلّ عن الأمكنة. والمعنى : ونحن أعلم بحاله ممّن كان أقرب إليه (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فتجوّز بقرب الذات لقرب العلم ، لأنّ الذات موجبه.
وحبل الوريد مثل في فرط القرب ، كقولهم : هو منّي مقعد القابلة ومعقد الإزار. قال
__________________
(١) أي : يخطر.
(٢) همس الصوت : أخفاه.