ولمّا ختم الله سبحانه سورة ق بالوعيد ، افتتح هذه السورة بتحقيق الوعيد ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) يعني : الرياح ، لأنّها تذروا التراب وغيره. قال الله تعالى : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) (١). أو النساء الولود ، فإنّهنّ يذرين الأولاد.
أو الأسباب الّتي تذري الخلائق ، من الملائكة وغيرهم. وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغام التاء في الذال.
(فَالْحامِلاتِ وِقْراً) فالسحب الحاملة للأمطار ، أو الرياح الحاملة للسحاب ، أو النساء الحوامل ، أو أسباب ذلك. والوقر : ثقل الحمل على ظهر أو في بطن.
(فَالْجارِياتِ يُسْراً) فالسفن الجارية في البحر سهلا. أو الرياح الجارية في مهابّها. أو الكواكب السبعة الّتي تجري في منازلها. وهي : الشمس ، والقمر ، وزحل ، والمشتري ، والمرّيخ ، والزهرة ، وعطارد. و «يسرا» صفة مصدر محذوف تقديره : جريا ذا يسر ، أي : ذا سهولة.
(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) الملائكة الّتي تقسّم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها ، أو ما يعمّهم وغيرهم من أسباب القسمة.
وعن مجاهد : تتولّى الملائكة تقسيم أمر العباد : جبريل للغلظة ، وميكائيل للرحمة ، وملك الموت لقبض الأرواح ، وإسرافيل للنفخ.
وقيل : الرياح يقسّمن الأمطار بتصريف السحاب.
وعن عليّ عليهالسلام أنّه قال وهو على المنبر : «سلوني قبل أن لا تسألوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي. فقام ابن الكوّاء فقال : ما الذاريات ذروا؟ قال : الرياح. قال : فالحاملات وقرا؟ قال : السحاب. قال : فالجاريات يسرا؟ قال : الفلك. قال : فالمقسّمات أمرا؟ قال : الملائكة». وكذا عن ابن عبّاس.
واعلم أنّ هذه الصفات إن حملت على ذوات مختلفة ، فالفاء لترتيب الأقسام
__________________
(١) الكهف : ٤٥.