ثمّ ذكر سبحانه ما أعدّه لأهل الجنّة فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) قابلين لما أعطاهم ، راضين به. يعني : أنّه ليس فيما آتاهم إلّا ما هو متلقّى بالقبول ، مرضيّ غير مسخوط ، لأنّ جميعه حسن طيّب. ومنه قوله تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (١) أي : يقبلها ويرضاها.
ثمّ علّل استحقاقهم بالجملة المستأنفة ، فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) قد أحسنوا أعمالهم.
ثمّ فسّر إحسانهم بقوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «ما» مزيدة ، أي : يهجعون في طائفة من الليل هجوعا قليلا. أو مصدريّة ، أي : في قليل من الليل هجوعهم. أو موصولة ، أي : ما يهجعون فيه. مرفوع المحلّ بأنّه فاعل «قليلا». ولا يجوز أن تكون نافية ، والمعنى : أنّهم لا يهجعون من الليل قليلا ويحيونه كلّه ، لأنّ ما بعدها لا يعمل فيما قبلها. تقول : زيدا لم أضرب. ولا تقول : زيدا ما ضربت. والمعنى : في أكثر الليل يصلّون ذاكرون.
وفيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم ، من ذكر القليل ، والليل الّذي هو وقت السبات (٢) والراحة ، والهجوع الّذي هو الفرار من النوم ، وزيادة «ما» المؤكّدة لذلك.
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي : إنّهم مع قلّة هجوعهم وكثرة تهجّدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار ، كأنّهم أسلفوا في ليلهم الجرائم. وقال أبو عبد الله عليهالسلام : «كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرّة في السحر».
وفي بناء الفعل على الضمير إشعار بأنّهم أحقّاء بالاستغفار ، لوفور علمهم بالله ، وخشيتهم منه.
وبعد ذكر عباداتهم البدنيّة بيّن عباداتهم الماليّة بقوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ)
__________________
(١) التوبة : ١٠٤.
(٢) السبات : النوم ، أو أوّله.