نصيب يستوجبونه على أنفسهم ، تقرّبا إلى الله ، وإشفاقا على الناس (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) للمستجدي والمتعفّف الّذي يظنّ غنيّا ، فيحرم الصدقة. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ليس المسكين الّذي تردّه الأكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان. قالوا : فما هو؟ قال : الّذي لا يجد ولا يتصدّق عليه».
وقيل : المحروم الّذي لا ينمى له مال. وقيل : المحارف الّذي لا يكاد يكسب.
ثمّ بيّن وحدانيّته وكمال علمه وقدرته ، ومزيد إفضاله ، وفيضان إحسانه على العباد ، ترغيبا في الطاعات ، وحثّا على العبادات ، فقال :
(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) دلائل بيّنات وحجج نيّرات على كمال علمه وقدرته وحكمته ، وبديع صنعه ، وعجيب تدبيره ، فإنّها مدحوّة كالبساط والمهاد لما فوقها ، كما قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) (١). وفيها مسالك فجاجا للمتقّلبين فيها ، والماشين في مناكبها. مجزّأة بالأجزاء المختلفة ، من سهل وجبل وبرّ وبحر. وقطع متجاورات ، من صلبة ورخوة ، وطيّبة وسبخة. ثابتة فيها ألوان النباتات ، وأنواع الأشجار المثمرة بالثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح ، مع أنّها تسقى بماء واحد. كلّها موافقة لحوائج ساكنيها ومنافعهم ومصالحهم ، في صحّتهم واعتلالهم. وما فيها من العيون المتفجّرة ، والمعادن المفتنة (٢) ، والدوابّ المنبثّة في برّها وبحرها ، المختلفة الصور والأشكال والأفعال ، من الوحشيّ والإنسيّ والهوامّ ، وغيرها من المنافع العجيبة والمصالح الغريبة.
(لِلْمُوقِنِينَ) الموحّدين الّذين سلكوا الطريق السويّ البرهانيّ الموصل إلى المعرفة ، نظّارين بعيون باصرة وأفهام نافذة ، كلّما رأوا آية تأمّلوا فيها ، فازدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وإيقانا إلى إيقانهم.
__________________
(١) طه : ٥٣.
(٢) أي : المحرقة. يقال للحرّة : فتين ، كأنّ حجارتها محرقة.