(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أي : وفي أنفسكم آيات في حال ابتدائها وتنقّلها من حال إلى حال ، وفي بواطنها وظواهرها ، من عجائب الفطر وبدائع الخلق ، ما تتحيّر فيه الأذهان. وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول ، وخصّت به من أصناف المعاني ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف ، وبالأسماع والأبصار والأطراف وسائر الجوارح. وما سوّى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثنّي ، فإنّه إذا جسا (١) شيء منها جاء العجز ، وإذا استرخى أناخ الذلّ. وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الهيئات النافعة ، والمناظر البهيّة ، والتركيبات العجيبة ، والتمكّن من الأفعال الغريبة ، واستنباط الصنائع المختلفة ، واستجماع الكمالات المتنوّعة. ومع ذلك ما في العالم شيء إلّا وفي الإنسان له نظير ، من الآيات الساطعة ، والبيّنات الجمّة القاطعة على حكمة المدبّر الحكيم ، وصنعة القدير العليم ، فتبارك الله أحسن الخالقين. (أَفَلا تُبْصِرُونَ) تنظرون نظر من يعتبر.
(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) المراد بالسماء السحاب ، وبالرزق المطر ، فإنّه سبب الأقوات. وعن الحسن : أنّه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه : فيه والله رزقكم ، ولكنّكم تحرمونه لخطاياكم. (وَما تُوعَدُونَ) من الثواب ، لأنّ الجنّة فوق السماء السابعة تحت العرش. أو أراد : أنّ ما ترزقونه في الدنيا ، وما توعدون به في العقبى ، كلّه مقدّر مكتوب في أمّ الكتاب ، أعني : اللوح المحفوظ ، وهو في السماء.
وقيل : إنّ قوله : (ما تُوعَدُونَ) مستأنف ، خبره (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) وعلى هذا فالضمير لـ «ما». وعلى الأوّل يحتمل أن يكون له ، ولما ذكر من أمر الآيات والرزق والوعد. (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي : مثل نطقكم. يعني : كما أنّه لا شكّ لكم في أنّكم تنطقون ، ينبغي أن لا تشكّوا في تحقّق ذلك. ونصبه على الحال من المستكن في «لحقّ» ، أو الوصف لمصدر محذوف ، أي : إنّه لحقّ حقّا مثل
__________________
(١) أي : صلب ويبس.