(فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) فأضمر منهم خوفا لمّا رأى إعراضهم عن طعامه ، وظنّ أنّهم يريدون به سواء. وعن ابن عبّاس : وقع في نفسه أنّهم ملائكة أرسلوا للعذاب. (قالُوا لا تَخَفْ) إنّا رسل الله. قيل : مسح جبرئيل العجل بجناحه ، فقام يدرج حتّى لحق بأمّه ، فعرفهم وأمن منهم (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) يكمل علمه إذا بلغ. والمبشّر به هو إسحاق. وهو أكثر الأقاويل وأصحّها ، لأنّه من سارة ، والصفة صفتها في هذه القصّة ، لا هاجر. وعن مجاهد : هو إسماعيل.
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) سارة إلى بيتها ، وكانت في زاوية تنظر إليهم (فِي صَرَّةٍ) في صيحة. من : صرّ القلم والباب. ومنه : الصرير. وقيل : صرّتها قولها : أوّه. وعن عكرمة : رنّتها (١). والمعنى : أخذت تصيح وتولول ، كما قال : (قالَتْ يا وَيْلَتى) (٢).
ومحلّه النصب على الحال ، أي : فجاءت صارّة ، أو المفعول إن أوّل «أقبلت» بـ : أخذت. (فَصَكَّتْ وَجْهَها) فلطمت بأطراف الأصابع بعد بسط يديها جبهتها ، فعل المتعجّب. وأصل الصكّ ضرب الشيء بالشيء العريض ،. وقيل : وجدت حرارة دم الطمث فلطمت وجهها من الحياء. (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي : أنا عجوز عاقر فكيف ألد؟
(قالُوا كَذلِكَ) مثل ذلك الّذي بشّرنا به (قالَ رَبُّكِ) أي : إنّما نخبرك به عنه ، والله قادر على ما تستبعدين (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) فيكون قوله حقّا ، وفعله محكما. وروي : أنّ جبرئيل قال لها في حال استبعادها : انظري إلى سقف بيتك. فنظرت فإذا جذوعه مورّقة مثمرة.
ولمّا علم إبراهيم عليهالسلام أنّهم ملائكة ، وأنّهم لا ينزلون مجتمعين إلّا لأمر عظيم (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) فما شأنكم وما طلبكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ).
__________________
(١) الرنّة : الصوت عموما ، أو الصوت الحزين.
(٢) هود : ٧٢.