(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أتربّص هلاككم كما تتربّصون هلاكي. والمراد بالأمر التهديد ، نحو : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (١).
(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) عقولهم (بِهذا) التناقض في القول ، فإنّ الكاهن يكون ذا فطنة ودقّة نظر ، والمجنون مغطّى عقله ، والشاعر يكون ذا كلام موزون متّسق مخيّل ، ولا يتأتّى ذلك من المجنون. وأمر الأحلام به مجاز عن أدائها إليه ، كقوله تعالى : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) (٢). وفي ذكرها إزراء بعقولهم ، حيث لم تثمر لهم معرفة الحقّ من الباطل ، مع أنّهم معروفون بأهل الأحلام والنهى. (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) مجاوزون الحدّ في العناد مع ظهور الحقّ لهم.
(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) اختلقه من تلقاء نفسه (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) فيرمونه بهذه المطاعن لكفرهم وعنادهم ، مع علمهم ببطلان قولهم وأنّه ليس بمتقوّل ، لعجز العرب عنه.
(فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) مثل القرآن وما يقاربه في نظمه وفصاحته ، وحسن بيانه وبراعته (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في زعمهم أنّ محمّدا تقوّله ، إذ فيهم كثير ممّن عدّوا فصحاء. فهذا ردّ للأقوال المذكورة بالتحدّي.
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أم أحدثوا وقدّروا من غير محدث ومقدّر ، فلذلك لا يعبدونه. أو من أجل لا شيء ، من عبادة ومجازاة. وقوله : (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) يؤيّد الأوّل ، فإنّ معناه : أم خلقوا أنفسهم. ولذلك عقّبه بقوله : (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) و «أم» في هذه الآيات منقطعة. ومعنى الهمزة فيها الإنكار. (بَلْ لا يُوقِنُونَ) إذا سئلوا من خلقكم؟ ومن خلق السماوات والأرض؟ قالوا : الله ، إذ لو أيقنوا ذلك لما أعرضوا عن عبادته.
__________________
(١) فصّلت : ٤٠.
(٢) هود : ٨٧.