الطريق المستقيم ، وما فارق الهدى إلى الضلال. والخطاب لقريش. (وَما غَوى) وما اعتقد باطلا ، فإنّ الضلال نقيض الهوى ، والغيّ نقيض الرشد. والمراد : نفي ما ينسبون إليه من الضلال والغيّ.
(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى (إِنْ هُوَ) ما القرآن ، أو الّذي ينطق به (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أي : يوحيه الله إليه. واحتجّ به من لم ير الاجتهاد للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. وأجيب عنه بأنّه إذا أوحي إليه بأن يجتهد كان اجتهاده وما يسند إليه وحيا. قلنا : إنّ ذلك حينئذ يكون بالوحي لا الوحي.
(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) ملك شديد قواه. والإضافة غير حقيقيّة ، لأنّها إضافة الصفة المشبّهة إلى فاعلها ، وهو جبرئيل ، فإنّه الواسطة في إبداء الخوارق. ومن قوّته أنّه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود ، وحملها على جناحه ، ورفعها إلى السماء ثمّ قلبها ، وصاح صيحة بثمود فأصبحوا جاثمين. وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده في أسرع من رجعة الطرف. ورأى إبليس يكلّم عيسى عليهالسلام على بعض عقاب الأرض المقدّسة ، فنفخه بجناحه نفخة فألقاه في أقصى جبل بالهند.
(ذُو مِرَّةٍ) حصافة في عقله ورأيه ، ومتانة في دينه (فَاسْتَوى) فاستقام على صورته الحقيقيّة الّتي خلقه الله عليها ، دون الصورة الّتي كان يتمثّل بها كلّما هبط بالوحي. وكان ينزل في صورة دحية الكلبي. وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحبّ أن يراه في صورته الّتي جبل عليها ، فاستوى له صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأفق الأعلى ، وهو أفق الشمس ، فملأ الأفق.
وقيل : ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقيّة غير محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّتين : مرّة في الأرض ، ومرّة في السماء.
وأورد البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود : «أنّ رسول