ولمّا ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر أزوف الآزفة ، افتتح هذه السورة بمثله ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) قربت الساعة الّتي يموت فيها جميع الخلائق ، يعني : يوم القيامة ، فاستعدّوا لها قبل وقوعها (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) انشقاق القمر من آيات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومعجزاته النيّرة ، ومن علامات دنوّ القيامة.
روي عن ابن عبّاس : «اجتمع المشركون إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فلقتين. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن فعلت تؤمنون؟ قالوا : نعم. وكانت ليلة بدر ، فسأل عليهالسلام ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فلقتين ورسول الله ينادي : يا فلان يا فلان اشهدوا».
وقال ابن مسعود : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فلقتين ، فلقة ذهبت ، وفلقة بقيت ، فقال لنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اشهدوا اشهدوا.
وروي أيضا عن ابن مسعود أنّه قال : والّذي نفسي بيده لقد رأيت حراء بين فلقتي القمر.
وعن جبير بن مطعم قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى صار فلقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل ، فقال الناس : سحر محمد. فقال رجل : إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلّهم.
وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة كثيرة من الصحابة ، منهم : عبد الله بن مسعود ، وأنس بن مالك ، وحذيفة بن اليمان ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وجبير بن مطعم. وعليه جماعة المفسّرين ، إلّا ما روي عن عثمان بن عطاء عن أبيه أنّه قال : معناه : وسينشقّ القمر. وروي ذلك عن الحسن. وأنكره أيضا البلخي. وهذا لا يصحّ ، لأنّ المسلمين أجمعوا على ذلك ، فلا يعتدّ بخلاف من خلاف فيه. ولأنّ اشتهاره بين الصحابة يمنع من القول بخلافه.