وإنّما ذكر سبحانه اقتراب الساعة مع انشقاق القمر ، لأنّ انشقاقه من علامة نبوّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونبوّته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة.
وعن حذيفة : أنّه خطب بالمدائن ثمّ قال : الا إنّ الساعة قد اقتربت ، وإنّ القمر قد انشقّ على عهد نبيّكم.
وأيضا يؤيّد هذا القول قوله : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) معجزة (يُعْرِضُوا) عن الإيمان بها عنادا وحسدا (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) دائم مطّرد. وكلّ شيء قد انقادت طريقته ودامت حاله قيل فيه : قد استمرّ. وهو يدلّ على أنّهم رأوا قبله آيات اخرى مترادفة ومعجزات متتابعة حتّى قالوا ذلك. أو محكم من المرّة. يقال : أمررته فاستمرّ ، إذا أحكمته فاستحكم. أو مستبشع مرّ.
(وَكَذَّبُوا) بالآية الّتي شاهدوها (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) وهو ما زيّن لهم الشيطان من ردّ الحقّ بعد ظهوره. وذكر هما بلفظ الماضي للإشعار بأنّهما من عادتهم القديمة. (وَكُلُّ أَمْرٍ) من أمرهم وأمر محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (مُسْتَقِرٌّ) منته إلى غاية ، من خذلان أو نصر في الدنيا ، وشقاوة أو سعادة في الآخرة ، فإنّ الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقرّ.
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) جاء هؤلاء الكفّار في القرآن (مِنَ الْأَنْباءِ) أنباء القرون الخالية وإهلاكنا إيّاهم. أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفّار. (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ازدجار ، من تعذيب أو وعيد. أو موضع ازدجار. والمعنى : هو في نفسه موضع للازدجار ومظنّة له ، كقوله : (لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١) أي : هو أسوة. وتاء الافتعال تقلب دالا مع الدال والذال والزاء للتناسب.
(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) غايتها ، أي : بلغت الغاية والنهاية في الوضوح ، لا خلل فيها أصلا. وهي بدل من «ما» ، أو خبر لمحذوف. (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) نفي أو استفهام
__________________
(١) الأحزاب : ٢١.