إنكار منصوب المحلّ ، أي : فأيّ غناء تغني النذر؟ وهو جمع نذير ، بمعنى المنذر أو المنذر منه. أو مصدر بمعنى الإنذار.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي : أعرض عنهم ولا تقابلهم على سفههم ، لعلمك بأنّ الإنذار لا يغني فيهم. وهاهنا وقف تامّ. (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) إسرافيل أو جبرئيل ، كقوله (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) (١). وإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة للتخفيف.
وانتصاب «يوم» بـ «يخرجون» أو بإضمار : اذكر. (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) فظيع تنكره النفوس ، لأنّها لم تعهد مثله ، وهو هول يوم القيامة. وقرأ ابن كثير : نكر بالتخفيف.
(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) من قبورهم خاشعا ذليلا أبصارهم من الهول. وخشوع الأبصار كناية عن الذلّة والانخزال (٢) ، لأنّ ذلّة الذليل وعزّة العزيز تظهران في عيونهما. وإفراده وتذكيره لأنّ فاعله ظاهر غير حقيقيّ التأنيث.
وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وعاصم : خشّعا. وإنّما حسن ذلك ، ولا يحسن : مررت برجال قائمين غلمانهم ، لأنّه ليس على صيغة تشبه الفعل. (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) في الكثرة والتموّج والانتشار في الأمكنة. يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض : جاؤا كالجراد وكالدبى (٣).
وفيه دلالة على أنّ البعث إنّما يكون لهذه البنية ، لأنّها الكائنة في الأجداث ، خلافا لمن زعم أنّ البعث يكون للأرواح.
(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) مسرعين مادّي أعناقهم إليه. أو ناظرين قبل الداعي. وهو حال من قوله : (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) صعب شديد.
__________________
(١) ق : ٤١.
(٢) أي : الانقطاع والانكسار.
(٣) الدبى : أصغر الجراد. والواحدة : دباة.