أثرا ، وأعزّ الكتب السماويّة حكما ، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها مصدّق لنفسه ومصداق لها.
ثمّ أتبعه قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ) إيماء بأنّ الغرض من خلق البشر ، وما يميّز به عن سائر الحيوان من البيان ، وهو المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضمير ، هو معرفة الله سبحانه ، والعلم بالشرعيّات ، والعمل بمقتضاها ، وإفهام الغير بها ، كما تقول : زيد أغناك بعد فقر ، أعزّك بعد ذلّ ، كثّرك بعد قلّة ، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد ، فما تنكر من إحسانه؟
وعن ابن عبّاس : المراد بالإنسان آدم. وتعليم البيان تعليم أسماء كلّ شيء واللغات كلّها.
وعن ابن كيسان : الإنسان محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، علّمه القرآن والبيان.
(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) يجريان بحساب معلوم مقدّر في بروجهما ومنازلهما ، وتتّسق بذلك أمور الكائنات السفليّة ، وتختلف الفصول والأوقات ، ويعلم السنون والحساب ، وغير ذلك من المنافع العظيمة للناس ، من الضياء والنور ، ومعرفة الليل والنهار ، ونضج الثمار ، ونظائرها. ولكثرة منافعهما خصّهما بالذكر.
(وَالنَّجْمُ) والنبات الّذي ينجم ، أي : يطلع من الأرض ولا ساق له ، كالبقول (وَالشَّجَرُ) والّذي له ساق (يَسْجُدانِ) ينقادان لله فيما خلقا له طبعا ، انقياد الساجد من المكلّفين طوعا.
وكان حقّ النظم في الجملتين أن يقال : وأجرى الشمس والقمر ، وأسجد النجم والشجر ، أو الشمس والقمر بحسبانه ، والنجم والشجر يسجدان له ، ليطابقا ما قبلهما وما بعدهما في اتّصالهما بالرحمن ، لكنّهما جرّدتا عمّا يدلّ على الاتّصال إشعارا بأنّ وضوحه يغنيه عن البيان.
وإدخال العاطف بينهما للتناسب بينهما ، وهو أنّ الشمس والقمر سماويّان ،