والنجم والشجر أرضيّان ، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل. وأنّ السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين. وأنّ جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله ، فهو مناسب لسجود النجم والشجر ، لاشتراكهما في الدلالة على أنّ ما يحسّ به من تغيّرات أحوال الأجرام العلويّة والسفليّة بتقديره وتدبيره.
وعن مجاهد : أراد : أنّ نجم السماء ـ وهو موحّد ، والمراد به جميع النجوم ـ والشجر يسجدان لله بكرة وأصيلا ، كما قال : (وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) (١).
وقيل : سجودهما سجود ظلالهما ، كقوله : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ) (٢). والمعنى : أنّ كلّ جسم له ظلّ فهو يقتضي الخضوع ، بما فيه من دليل الحدوث وإثبات المحدث المدبّر.
(وَالسَّماءَ رَفَعَها) خلقها مرفوعة محلّا ومرتبة ، حيث جعلها منشأ أقضيته ، ومنزل أحكامه ، ومحلّ ملائكته الّذين يهبطون بالوحي على أنبيائه. ونبّه بذلك على كبرياء شأنه ، وتعالي ملكه ، وعظمة سلطانه.
(وَوَضَعَ الْمِيزانَ) العدل ، وهو الإنصاف والانتصاف ، بأن وفّر على كلّ مستعدّ مستحقّه ، ووفّى كلّ ذي حقّ حقّه ، حتّى انتظم أمر العالم واستقام ، كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بالعدل قامت السماوات والأرض».
أو ما يعرف به مقادير الأشياء ، من ميزان ومكيال ومقياس ونحوها. فعلّق به أحكام عباده وقضاياهم وما تعبّدهم به ، من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم. كأنّه لمّا وصف السماء بالرفعة من حيث إنّها مصدر القضايا والأقدار ، أراد وصف الأرض بما فيها ، ممّا يظهر به التفاوت ، ويعرف به المقدار ، ويستوي به الحقوق والمواجب.
(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) لئلّا تطغوا فيه ، أي : لا تعتدوا ، ولا تجاوزوا
__________________
(١) الحجّ : ١٨.
(٢) النحل : ٤٨.