ثمّ وصف سبحانه أحوال الناس ، بأن قال : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً) أصنافا (ثَلاثَةً) فإنّه يقال للأصناف الّتي بعضها مع بعض أو يذكر بعضها مع بعض : أزواج.
ثمّ فسّرها بقوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) فأصحاب المنزلة السنيّة. من قولك : فلان منّي باليمين ، إذا وصفته بالرفعة عندك ، لتيمّنهم بالميامن ، وتفأّلهم بالسانح (١) ، ولذلك اشتقّوا لليمين الاسم من اليمن. أو الّذين يعطون صحائفهم بأيمانهم. أو الّذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنّة. أو اصحاب اليمن والبركة ، فإنّ السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم. (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي : أيّ شيء هم. وفي إقامة الظاهر مقام الضمير تفخيم لشأنهم العظيم ، وتعجيب لرسولهم من حالهم الفخيمة في الجنّة ، كما يقال : هم ما هم.
(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) وأصحاب المنزلة الدنيّة. من قولهم : فلان منّي بالشمال ، إذا وصفوه بالضعة عندهم ، لتشاؤمهم بالشمائل ، وتطيّرهم بالبارح (٢).
ولذلك سمّوا الشمائل : لشؤمى. أو الّذين يعطون صحائفهم بشمائلهم. أو الّذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار. أو أصحاب الشؤم ، لأنّ الأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم. (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) أيّ شيء هم. تفخيم لخطبهم في العقوبات الشديدة ، وتعجيب لرسوله من حالهم الوضيعة.
(وَالسَّابِقُونَ) والّذين سبقوا إلى ما دعاهم الله إليه من الإيمان والطاعة بعد ظهور الحقّ ، وشقّوا الغبار في طلب مرضاته من غير تلعثم وتوان. أو سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات. أو الأنبياء ، فإنّهم مقدّمو أهل الأديان. (السَّابِقُونَ) هم الّذين عرفت حالهم ومآلهم ، كقول أبي النجم : أنا أبو النجم وشعري شعري.
كأنّه قال : وشعري ما انتهى إليك ، وسمعت بفصاحته وبراعته.
__________________
(١) السانح : الّذي يأتي من جانب اليمين ، أو ما مرّ من يسارك إلى يمينك من ظبي أو طائر.
(٢) البارح : الّذي يأتي من جانب اليسار.