دين الله أفواجا (وَقاتَلَ) مع الكفّار. وذكر القتال في بيان التفاوت بين المنفقين للاستطراد. وقسيم «من أنفق» محذوف ، تقديره : ومن أنفق من بعد الفتح ، فحذف لوضوحه ، ودلالة ما بعده عليه ، أعني : قوله : (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً) فإنّه بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم ، من السبق وقوّة اليقين وتحرّي الحاجات (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) أي : من بعد فتح مكّة ، فإنّ الإنفاق والقتال قبل فتح مكّة كان أشدّ ، والحاجة إلى النفقة والجهاد كان أكثر.
(وَكُلًّا) وكلّ واحد من الفريقين المنفقين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) المثوبة الحسنى ـ وهي : الجنّة ـ وإن تفاوتوا في مراتب الدرجات. وقرأ ابن عامر : وكلّ ، بالرفع على الابتداء ، أي : وكلّ وعده الله ، ليطابق ما عطف عليه ، وهو قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) عالم بظاهره وباطنه ، فمجازيكم على حسبه.
ثمّ بيّن كيفيّة الإنفاق ومزيّة المثوبة ، فقال : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) أي : ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوّضه ، فإنّه كمن يقرض الله (قَرْضاً حَسَناً) أي : إنفاق أكرم المال وأطيبه في أفضل الجهات مقرونا بالإخلاص. فشبّه ذلك بالقرض على سبيل المجاز. ووجه الشبه هو التعويض.
وقال بعض المحقّقين : القرض الحسن أن يجمع عشرة أوصاف : أن يكون من الحلال ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الله تعالى طيّب ، لا يقبل إلّا الطيّب».
وأن يكون من أكرم ما يملكه ، دون أن يقصد الرديء بالإنفاق ، لقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (١).
وأن يتصدّق وهو يحبّ المال ويرجو الحياة ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا سئل عن الصدقة : «أفضل الصدقة أن تعطيه وأنت صحيح شحيح ، تأمل العيش ، وتخشى
__________________
(١) البقرة : ٢٦٧.