واعلم أنّ الله سبحانه لمّا ختم سورة الصافّات بذكر القرآن والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنكار الكفّار لما دعاهم إليه ، افتتح هذه السورة بالقرآن ذي الذكر ، والردّ عليهم أيضا ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ص) قد ذكر في أوّل سورة البقرة أنّ إيراد حروف التهجّي في أوائل السور على سبيل التحدّي والتنبيه على الإعجاز. ثمّ أتبعه القسم محذوف الجواب ، لدلالة التحدّي عليه. كأنّه قال : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) إنّه لكلام معجز. ويجوز أن تكون «ص» خبر مبتدأ محذوف ، على أنّها اسم للسورة ، كأنّه قال : هذه ص. يعني : هذه السورة الّتي أعجزت العرب ، والقرآن ذي الذكر. كما تقول : هذا حاتم والله ، تريد : هذا هو المشهور بالسخاء والله. وكذلك إذا أقسم بها ، كأنّه قال : أقسمت بصاد والقرآن ذي الذكر إنّه لمعجز. وإذا جعلتها مقسما بها ، وعطفت عليها : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) جاز لك أن تريد بالقرآن التنزيل كلّه ، وأن تريد السورة بعينها. ومعناه : أقسم بالسورة الشريفة ، والقرآن ذي الذكر. كما تقول : مررت بالرجل الكريم ، وبالنسمة المباركة ، ولا تريد بالنسمة غير الرجل.
وقيل : «صاد» رمز لصدق محمّد. و «الذكر» الشرف والشهرة ، كقولك : فلان مذكور. أو الذكرى والموعظة. أو ذكر ما يحتاج إليه في الدين من الشرائع وغيرها ، كأقاصيص الأنبياء ، والوعد والوعيد.
وما كفر به من كفر (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : كفروا به (فِي عِزَّةٍ) أي : استكبار عن قبول الحقّ (وَشِقاقٍ) خلاف لله ورسوله ، ولذلك كفروا به. والتنكير فيهما للدلالة على شدّتهما.
ثمّ أوعدهم على كفرهم بالقرآن استكبارا وشقاقا (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا) استغاثة ، أو توبة ، أو استغفارا (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي : وليس الحين حين مناص. و «لا» هي المشبّهة بـ «ليس» زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد ، كما