كالمرض ، والآفة ، وموت الأولاد ، وسائر الأقارب والأحباب (إِلَّا فِي كِتابٍ) إلّا مكتوبة في اللوح ، مثبتة في علم الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) والمعنى : أنّه تعالى أثبتها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الأنفس والأرض ، ليستدلّ ملائكته به على أنّه عالم لذاته يعلم الأشياء بحقائقها (إِنَّ ذلِكَ) أن يثبته في الكتاب على كثرته (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لاستغنائه عن العدّة والمدّة.
(لِكَيْلا تَأْسَوْا) أي : أثبت وكتب ذلك لئلّا تحزنوا (عَلى ما فاتَكُمْ) من نعم الدنيا (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) بما أعطاكم الله منها ، فإنّ من علم أنّ الكلّ مقدّر هان عليه الأمر. وأيضا إذا علم الإنسان أنّ ما فات منها ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة ، فلا ينبغي أن يحزن لذلك. وإذا علم أنّ ما ناله منها كلّف الشكر عليه والحقوق الواجبة فيه ، فلا ينبغي أن يفرح به. وإذا علم أنّ شيئا منها لا يبقى ، فلا ينبغي أن يهتمّ له ، بل يجب أن يهتمّ لأمر الآخرة الّتي تدوم ولا تبيد.
وقرأ أبو عمرو : «بما أتاكم» من الإتيان ، ليعادل «ما فاتكم». وعلى الأوّل فيه إشعار بأنّ فواتها يلحقها إذا خلّيت وطباعها ، وأمّا حصولها وبقاؤها فلا بدّ لهما من سبب يوجدها ويبقيها.
والمراد به نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر الله ، والفرح الموجب للبطر والاختيال. ولذلك عقّبه بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) إذ قلّ من يثبت نفسه في حالي الضرّاء والسرّاء.
وقيل لبزرجمهر الحكيم : مالك أيّها الحكيم لا تأسف على ما فات ، ولا تفرح بما هو آت؟
فقال : لأنّ الفائت لا يتلافى بالعبرة ، والآتي لا يستدام بالخبرة.
واعلم أنّ في هذه الآية إشارة إلى أربعة أشياء :
الأوّل : حسن الخلق ، لأنّ من استوى عنده وجود الدنيا وعدمها ، لا يحسد ، ولا يعادي ، ولا يشاحّ ، فإنّ هذه من أسباب سوء الخلق ، وهي من