بالاستدلال والنظر من غير مشاهدة بالبصر.
(إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على إهلاك من أراد إهلاكه (عَزِيزٌ) لا يفتقر إلى نصرة أحد. وإنّما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ، ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) خصّهما بالذكر لفضلهما ، ولأنّهما أبوا الأنبياء (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب. وعن ابن عبّاس : المراد بالكتاب الخطّ بالقلم. يقال : كتب كتابا وكتابة. (فَمِنْهُمْ) فمن الذرّيّة. أو من المرسل إليهم ، وقد دلّ عليهم «أرسلنا». (مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن الطريق المستقيم. والعدول عن سنن المقابلة للمبالغة في الذمّ ، والدلالة على أنّ الغلبة للضلال.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) ثمّ أتبعنا بالإرسال على آثار من ذكرناهم من الأنبياء برسل آخرين إلى قوم آخرين (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أي : أرسلنا رسولا بعد رسول حتّى انتهى إلى عيسى عليهالسلام. والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم ، أو من عاصرهما من الرسل ، لا للذرّيّة ، فإنّ الرسل المقفّى بهم من الذرّيّة.
(وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في دينه ، يعني : الحواريّين وأتباعهم ، اتّبعوا عيسى (رَأْفَةً) هي أشدّ الرقّة والرحمة (وَرَحْمَةً) وإنّما أضافهما إلى نفسه ، لأنّه سبحانه جعلهما في قلوبهم بالأمر بهما ، والترغيب فيهما ، ووعد الثواب عليهما.
(وَرَهْبانِيَّةً) انتصابها بفعل مضمر يفسّره ما بعده ، تقديره : وابتدعوا رهبانيّة (ابْتَدَعُوها) وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس ، واتّخاذ الصوامع لها في البراري والجبال. منسوبة إلى الرهبان ، وهو المبالغ في الخوف ، من : رهب ، كالخشيان من : خشي. والمعنى : ترهّبهم في الجبال فارّين من الجبابرة أن يفتنوهم في دينهم مخلصين أنفسهم للعبادة ، كما سيجيء تفصيله.