(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ما فرضناها عليهم (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) استثناء منقطع ، أي : ولكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ، وألزموها على أنفسهم ، كما أنّ الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمّه.
وقيل : متّصل ، و «رهبانيّة» معطوفة على ما قبلها ، و «ابتدعوها» صفة لها في محلّ النصب ، أي : وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانيّة مبتدعة من عندهم. بمعنى : وفّقناهم للتراحم بينهم ، ولابتداع الرهبانيّة واستحداثها ، والإتيان بها أولا ، لا أنّهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم. ما كتبناها عليهم إلّا ليبتغوا رضوان الله ، ويستحقّوا بها الثواب. على أنّه كتبها عليهم وألزمها إيّاهم ليتخلّصوا من الفتن ، ويبتغوا بذلك رضا الله تعالى وثوابه.
(فَما رَعَوْها) فما رعوا جميعا (حَقَّ رِعايَتِها) كما يجب على الناذر رعاية نذره ، لأنّه عهد مع الله لا يحلّ نكثه. وذلك بضمّ التثليث ، والقول بالاتّحاد ، وقصد السمعة ، والكفر بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ونحوها ، إلى الابتداع.
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) أتوا بالإيمان الصحيح. وهم أهل الرحمة والرأفة الّذين اتّبعوا عيسى ، وحافظوا حقوقه ، ومن ذلك الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (مِنْهُمْ) من المتّسمين باتّباعه (أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن الاتّباع ، غير حافظين على نذرهم.
وعن ابن مسعود قال : «دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها اثنتان ، وهلك سائرهنّ. فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسى عليهالسلام فقتلوهم. وفرقة لم تكن لهم طاقة لموازاة الملوك ، ولا أن يقيموا بين ظهرانيّهم يدعونهم إلى دين الله تعالى ودين عيسى عليهالسلام ، فساحوا في البلاد وترهّبوا. وهم الّذين قال الله فيهم : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ). ثمّ قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من آمن بي وصدّقني واتّبعني فقد رعاها حقّ