والمعنى : ليعلم (أَهْلُ الْكِتابِ) الّذين لم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ). «أن» هي المخفّفة. والمعنى : أنّ الشأن لا ينالون شيئا ممّا ذكر من فضله ، من الكفلين والنور والمغفرة ، ولا يتمكّنون من نيله ، لأنّهم لم يؤمنوا برسوله ، وهو مشروط بالإيمان به. أو لا يقدرون على شيء من فضله ، فضلا عن أن يتصرّفوا في أعظمه ، وهو النبوّة ، فيخصّوها بمن أرادوا. ويؤيّده قوله : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) في ملكه وتصرّفه (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) يتفضّل على من يشاء من عباده المؤمنين.
وقال الكلبي : كان الوافدون إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من اليمن أربعة وعشرين رجلا ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكّة ، لم يكونوا يهودا ولا نصارى ، وكانوا على دين الأنبياء ، فأسلموا. فقال لهم أبو جهل : بئس القوم أنتم ، والوفد لقومكم. فردّوا عليه : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) (١) الآية. فجعل الله لهم ولمؤمني أهل الكتاب ـ عبد الله بن سلام وأصحابه ـ أجرين اثنين. فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول الله ويقولون : نحن أفضل منكم ، لنا أجران ، ولكم أجر واحد. فنزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) إلى قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) إلى آخرها.
وقيل : «لا» غير مزيدة. والمعنى : لئلّا يعتقد أهل الكتاب أنّهم لا يقدرون أن يؤمنوا ، لأنّ من لا يعلم أنّه لا يقدر يعلم أنّه يقدر.
وقيل : معناه : لئلّا يعلم اليهود والنصارى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين لا يقدرون على ذلك ، بل علموا أنّهم يقدرون عليه ، أي : إن آمنتم كما أمركم الله آتاكم الله من فضله ، فعلم أهل الكتاب ذلك ، ولم يعلموا خلافه. وعلى هذا فالضمير في «يقدرون» ليس لأهل الكتاب.
وقال أبو سعيد السيرافي : معناه : إنّ الله يفعل بكم هذه الأشياء لئلّا يعلم ـ أي : ليتبيّن ـ جهل أهل الكتاب ، وأنّهم لا يعلمون أنّ ما يؤتيكم الله من فضله لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم.
__________________
(١) المائدة : ٨٤.