ولمّا ختم الله سبحانه سورة الحديد بذكر فضله على من يشاء من عباده ، افتتح هذه السورة بذكر بيان فضله في إجابة دعاء خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة ، رآها زوجها ساجدة في صلاتها ، وكانت حسنة الجسم عظيمة الأليتين ، فلمّا سلّمت راودها فأبت ، فغضب ، وكان به خفّة ولمم (١) ، فظاهر منها.
وهذا أوّل ظهار في الإسلام ، وكان طلاق أهل الجاهليّة. فأتت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه ، فقالت : إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة ، غانية (٢) ، ذات جمال ومال وأهل ، حتّى إذا أكل مالي ، وأفنى شبابي ، وتفرّق أهلي ، وخلا سنّي ، ونثرت بطني ـ أي : كثر ولدي ـ جعلني عليه كأمّه.
وروي أنّها قالت له : إنّ لي صبية صغارا ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا.
فقال : ما عندي في أمرك شيء.
وروي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لها : حرمت عليه.
فقالت : يا رسول الله ، ما ذكر طلاقا ، وإنّما هو أبو ولدي ، وأحبّ الناس إليّ.
فقال : حرمت عليه.
فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي. كلّما قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : حرمت عليه ، هتفت وشكت إلى الله فقالت : اللهمّ فأنزل على لسان نبيّك.
فقامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر. فقالت : انظر في أمري جعلني الله فداك يا نبيّ الله.
فقالت عائشة : اقصري حديثك ومجادلتك ، أما ترين وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا نزل عليه شيء أخذه مثل السبات.
__________________
(١) اللمم : جنون خفيف ، أو طرف من الجنون يلمّ بالإنسان.
(٢) الغانية : المرأة الغنيّة بحسنها وجمالها عن الزينة.