روي : أنّ الناس أكثروا مناجاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يريدون حتّى أملّوه (١) وأبرموه ، فأراد الله سبحانه أن يكفّوا عن ذلك ، فأمرهم بأنّ من أراد أن يناجيه قدّم قبل مناجاته صدقة ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فتصدّقوا قدّامها. مستعار ممّن له يدان. وفي هذا الأمر تعظيم لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنفاع الفقراء ، والنهي عن الإفراط في السؤال ، والتمييز بين المخلص والمنافق ، ومحبّ الآخرة ومحبّ الدنيا. والأمر للوجوب ، وخاتمة الآية دالّة عليه. ثمّ نسخ بقوله : «أَأشفقتم». وهو وإن اتّصل به تلاوة ، لم يتّصل به نزولا.
وعن عليّ عليهالسلام أنّه قال : «لمّا نزلت دعاني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : ما تقول في دينار؟ قلت : لا يطيقونه. قال : كم؟ قلت : حبّة أو شعيرة. قال : إنّك لزهيد». فلمّا رأوا ذلك اشتدّ عليهم فارتدعوا وكفّوا. أمّا الفقير فلعسرته ، وأمّا الغنيّ فلشحّه.
وقال عليّ عليهالسلام : «إنّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي. كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم».
وقال الكلبي : تصدّق به في عشر كلمات سألهنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروي عنه عليهالسلام أيضا أنّه قال : «بي خفّف الله عن هذه الأمّة ، لم ينزل في أحد قبلي ، ولم ينزل في أحد من بعدي».
وعن ابن عمر : كان لعليّ عليهالسلام ثلاث ، لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى.
وعن مجاهد وقتادة : لمّا نهوا عن مناجاته حتّى يتصدّقوا ، لم يناجه إلّا عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قدّم دينارا فتصدّق به ، ثمّ نسخ الله سبحانه ذلك الحكم بعد عشرة أيّام.
(ذلِكَ) أي : ذلك التصدّق (خَيْرٌ لَكُمْ) لأنفسكم من الريبة وحبّ المال ،
__________________
(١) أي : أضجروه وأوقعوه في المال.