الْكاذِبُونَ) البالغون الغاية في الكذب ، حيث يكذبون مع عالم الغيب والشهادة ، ويحلفون عليه.
وملخّص معنى الآية : أنّه ليس العجب من حلفهم لكم ، فإنّكم بشر تخفى عليكم السرائر ، وأنّ لهم نفعا في ذلك دفعا عن دمائهم ، واستجرار فوائد دنيويّة.
ولكنّ العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة ، مع عدم النفع والاضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرسل. والمراد : وصفهم بالتوغّل في نفاقهم ومرونهم (١) عليه ، وأنّ ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحلّ ، كما قال : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٢).
(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) استولى عليهم. من : حذت الإبل وأحذتها إذا استوليت عليها وجمعتها. وهو ممّا جاء على الأصل ، نحو : استصوب واستنوق.
والمعنى : ملكهم الشيطان ، لطاعتهم له في كلّ ما يريده منهم ، حتّى جعلهم رعيّته وحزبه ، كما قال : (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) أن يذكروا الله أصلا ، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) جنوده وأتباعه (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنّهم فوّتوا على أنفسهم النعيم المؤبّد ، وعرّضوها للعذاب المخلّد.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يخالفونهما في الحدود ويشاقّونهما. وهم المنافقون. (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) في جملة من هو أذلّ خلق الله.
(كَتَبَ اللهُ) في اللوح (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) بالحجّة والسيف ، أو بأحدهما.
وقرأ نافع وابن عامر : ورسلي بفتح الياء. (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على نصر أنبيائه (عَزِيزٌ) لا يغلب عليه في مراده.
يروى أنّ المسلمين قالوا لمّا رأوا ما يفتح الله عليهم من القرى : ليفتحنّ الله
__________________
(١) مرن على الشيء : اعتاده وداومه.
(٢) الأنعام : ٢٨.