علينا الروم وفارس. فقال المنافقون : أَتظنّون أنّ فارس والروم كبعض القرى الّتي غلبتم عليها؟ فأنزل الله هذه الآية.
ثمّ قال سبحانه : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) هذا من باب التخييل ، خيّل نّ من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوالون المشركين ، أي : لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقّه أن يمتنع ولا يوجد بحال. مبالغة في النهي عنه ، والزجر عن ملابسته ، والتوصية بالتصلّب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم ، والاحتراز من مخالطتهم ومعاشرتهم ، فلا ينبغي أن يوادّوهم.
ثمّ زاد ذلك تأكيدا وتشديدا بقوله : (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) ولو كان المحادّون أقرب الناس إليهم. ولا يكون شيء أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ، بل هو الإخلاص بعينه.
(أُولئِكَ) أي : الّذين لم يوادّوهم (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) أثبته فيها بما فعل بهم من الألطاف ، فصار كالمكتوب فيها. وهو دليل على خروج العمل من مفهوم الإيمان ، فإنّ جزء الثابت في القلب لا يكون إلّا ثابتا فيه ، وأعمال الجوارح لا تثبت فيه.
وعن أبي علي الفارسي : كتب في قلوبهم علامة الإيمان. ومعنى ذلك : أنّها سمة لمن يشاهدهم من الملائكة على أنّهم مؤمنون ، كما أنّ قولهم في الكفّار : (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (١) معناه : علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنّه مطبوع على قلبه.
(وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وقوّاهم بلطف من عنده حييت به قلوبهم. ويجوز أن يكون الضمير للإيمان ، أي : بروح من الإيمان ، فإنّها سبب لحياة القلوب.
وقيل : قوّاهم بنور الحجج والبراهين حتّى اهتدوا للحقّ وعملوا به.
__________________
(١) التوبة : ٩٣.