يأمرون بما لا يفعلون. أو أكون أوّل من خالف قريشا في خلع الأصنام وحطمها. أو أكون أوّل الّذين دعوتهم إلى الإسلام إسلاما.
والأمران المذكوران ليسا بواحد ، لاختلاف جهتيهما. وبيان ذلك : أنّ الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء ، والأمر به ليحرز القائم به قصب السبق في الدين شيء.
وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه ، نزّل بذلك منزلة شيئين مختلفين ، فعطف الأمر الثاني على الأوّل ، لمغايرته إيّاه بتقييده بالعلّة. وفيه إشعار بأنّ العبادة المقرونة بالإخلاص وإن اقتضت لذاتها أن يؤمر بها ، فهي أيضا تقتضيه ، لما يلزمها من السبق في الدين.
ويجوز أن تجعل اللام مزيدة ، كما في : أردت لأن أفعل ، كأنّها زيدت عوضا من ترك الأصل ـ الّذي هو المصدر ـ إلى ما يقوم مقامه ، كما عوّض السين في : اسطاع ، عوضا من ترك الأصل الّذي هو : أطوع. والدليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (١) (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ). فيكون أمرا بالتقدّم في الإخلاص ، والبدء بنفسه في الدعاء إليه بعد الأمر به.
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بترك الإخلاص ، والميل إلى ما أنتم عليه من الشرك والرياء (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) لعظمة ما فيه.
(قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) أمر بالإخبار عن إخلاصه ، وأن يكون مخلصا له دينه ، بعد الأمر بالإخبار عن كونه مأمورا بالعبادة والإخلاص ، خائفا عن المخالفة من العقاب ، قطعا لأطماعهم. ولذلك رتّب عليه قوله : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) تهديدا وخذلانا لهم. فمنطوق هذه الآية غير منطوق قوله : (إِنِّي أُمِرْتُ
__________________
(١) يونس : ٧٢ و١٠٤.
(٢) يونس : ٧٢ و١٠٤.