لوضوح البرهان على تفرّده بالخالقيّة (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بعد ما تحقّقتم أنّ خالق العالم هو الله تعالى (إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) فيكشفنه (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) فيمسكنها عليّ.
وقرأ أبو عمرو : كاشفات ضرّه .... ممسكات رحمته ، بالتنوين ونصب «ضرّه ورحمته» على الأصل.
وإنّما فرض المسألة في نفسه دونهم ، لأنّهم خوّفوه معرّة (١) الأوثان ، فامر بأن يقرّرهم أوّلا بأنّ خالق العالم هو الله تعالى وحده ، ثم يقول لهم بعد التقرير : فإن أرادني خالق العالم الّذي أقررتم به بضرّ من مرض أو فقر ، أو غير ذلك من النوازل ، أو رحمة من صحّة أو غنى أو نحوهما ، هل هؤلاء اللّاتي خوّفتموني إيّاهنّ كاشفات على ضرّه ، أو ممسكات رحمته؟ حتّى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم فلا يجيبوا بكلمة.
وإنّما قال : «كاشفات .... وممسكات» على التأنيث ، بعد قوله : (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، ليضعّفها ويعجّزها زيادة تضعيف وتعجيز عن كشف الضرّ وإمساك الرحمة ، لأنّ الأنوثة من باب اللين والرخاوة ، كما أنّ الذكورة من باب الشدّة والصلابة. كأنّه قال : الإناث اللّاتي هنّ اللات والعزّى ومناة أضعف ممّا تدعون لهنّ وأعجز. وفيه تهكّم أيضا.
روي : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سألهم فسكتوا ، فنزل : (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) كافيا في إصابة الخير ودفع الضرّ ، إذ تقرّر بهذا التقرير أنّه القادر الّذي لا مانع لما يريده من خير أو شرّ (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) لعلمهم بأنّ النفع والضرّ منه.
ثمّ هدّدهم بقوله : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على حالاتكم الّتي أنتم عليها ، من العداوة الّتي تمكّنتم منها ، وعلى قدر جهدكم وطاقتكم في إهلاكي. والأمر للتهديد. والمكانة اسم للمكان ، استعير للحال ، كما استعير «هنا» و «حيث»
__________________
(١) المعرّة : المساءة والإثم.