من المكان للزمان. وقرأ أبو بكر : مكاناتكم. (إِنِّي عامِلٌ) أي : على مكانتي ، فحذف للاختصار ، والمبالغة في الوعيد ، والإشعار بأنّ حاله لا يقف ، فإنّه تعالى يزيده كلّ يوم قوّة ونصرة. فلذلك توعّدهم بكونه منصورا عليهم في الدارين ، فقال : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) فإنّ خزي أعدائه دليل غلبته ، وقد أخزاهم الله يوم بدر (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم. وهو عذاب النار.
(إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ) لأجلهم ، فإنّه ، مناط مصالحهم في معاشهم ومعادهم ، ولا حاجة لي إلى ذلك ، فإنّي أنا الغنيّ (بِالْحَقِ) متلبّسا به ، وليس فيه شيء من الباطل رأسا (فَمَنِ اهْتَدى) فمن اختار الهدى (فَلِنَفْسِهِ) أي : فقد نفع به نفسه (وَمَنْ ضَلَ) ومن اختار الضلالة (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) فقد ضرّها ، فإنّ وباله لا يتخطّاها (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) وما وكّلت عليهم لتجبرهم على الهدى ، فإنّ التكليف مبنيّ على الاختيار دون الإجبار ، وإنّما أمرت بالبلاغ وقد بلّغت ، وجزاء أعمالهم على الّذي يقدر على إماتتهم وإحيائهم وحفظ أعمالهم ، وهو الله سبحانه.
كما قال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) أي : يقبضها عن الأبدان ، بأن يقطع تعلّقها عنها ، وتصرّفها فيها ظاهرا وباطنا عند موتها ، أي : موت أبدانها (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) ويقبضها عن الأبدان ، ويقطع تعلّقها عنها وتصرّفاتها في النوم. فالنوم شبيه بالموت. ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (١) حيث لا يميّزون ولا يتصرّفون ، كما أنّ الموتى كذلك (فَيُمْسِكُ) الأنفس (الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) الحقيقي ، ولا يردّها إلى البدن إلى يوم القيامة. وقرأ حمزة والكسائي : قضي ، بضمّ القاف وكسر الضاد ، والموت بالرفع. (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) أي : الأنفس النائمة إلى بدنها عند اليقظة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقت مضروب لموته ، وهو غاية جنس الإرسال.
__________________
(١) الأنعام : ٦٠.