وعلى الرغم من اتفاق «ب» و «ق» في كثير من تلك الخلافات ، فقد كان بينهما اختلاف أيضا ، إذ نرى إحداهما أحيانا تخرج على هذا الاتفاق ، فتشارك الأصل في فحواه أو لفظه ، أو تتميّز بنمط خاصّ فريد. ولذا واجهتني مشكلات عسيرة في منهج التحقيق ، حاولت تذليلها بعون الله ، وبالصبر والأناة ، وكثرة المراجعة والتدقيق.
ولمّا كانت نسخة آيا صوفيا أوفى الثلاث وأقدمها ، وأقربها إلى الضبط والإتقان والصواب اتّخذتها ، كما ذكرت ، أصلا ، فأثبتّ النصّ منها ، وحدّدت بها أرقام أوراقه ، وعلّقت عليه بما كان من خلاف في النسختين الأخريين. إلّا أنّ وفرة الأوهام والتصحيف والتحريف ، في هذا الأصل ، حملتني أحيانا على التلفيق في الجمل والعبارات ، باختيار ألفاظ وتراكيب من النسختين أو من إحداهما ، مع الإشارة إلى ذلك فيما علّقت.
ولأنّ هاتين النسختين ، أعني «ق» و «ب» ، كانتا على وفاق كبير ، كما ذكرت ، رأيت أن أرمز إليهما بـ «النسختين» حين تتّفقان ، اختصارا للتعبير وتخفيفا للتكرير. وفيما عدا ذلك كنت أشير إلى كلّ نسخة ، بالرمز الذي اعتمدته.
ولعلّ أبرز ما اتّفق فيه النسختان هو إهمال ما جاء في الأصل ، من تحديد لبعض سور الآيات المستشهد بها. وقد رأيتني أغفل الإشارة في التعليقات إلى هذا الإهمال ، مكتفيا بما أذكره هنا الآن.
أمّا الخلافات الكثيرة المتشعّبة ، بين النسخ الثلاث ، فقد رأيت أنّ بعضها يعود إلى تصحيف ناسخ أو تحريف ، وهو ظاهر لا يقتضي التدقيق والتحرير ، ولا يقدّم خدمة للنصّ في توجيه عبارة أو تسديد اعوجاج ، فأسقطته من التعليقات ولم أشر إليه ، إلّا إذا كان موضع ذلك الخلاف نصّا انفردت به نسخة ، أو كان فيه ما يحتمل النظر والتحقيق.
أضف إلى هذا أنّ الاضطراب الكبير في «ب» أدّى إلى تخلخل النصّ