ألحقها علماء أو نسّاخ أو قرّاء بعد الخليل ، فالتبست بالأصل وتناقلها الناسخون على أنها جزء منه ، في حين أنّه يضمّ أيضا أمثالها ، عرفت في مذهب الخليل وأقواله ، أو فيما تعارفه هو وبعض النحاة أو تواردوا عليه.
وهو أولا وأخيرا يبدي مستويات متفاوتة ، في التفكير ، والمنهج ، والتعبير. فبينا أنت مشدود إلى دقّة التقسيم ، وعمق الفكرة ، وجلاء المعنى ، وبعد النظر ، وسعة الأفق ، وبراعة الاستدلال ، وأصالة الاستنتاج ، إذ يفجؤك ظواهر من الاضطراب والتداخل والإحالة. وبينا أنت مأخوذ بالتعريفات الدقيقة الوافية ، والأحكام والقيود المحكمة المسدّدة ، والآراء الصائبة الحيّة ، إذا بك تصدمك شذرات من التعريفات السطحيّة العامّة الفضفاضة ، والأحكام القاصرة المحدودة. وبينا أنت مستسلم لفصاحة الكلم ، ونصاعة العبارة ، وسلامة النسج ، ودقّة الأداء ، إذ تتعثّر بنتوءات من تلوّي التعبير ، وهلهلة النسج ، وانقطاع السياق.
وهذا كلّه ، بالإضافة إلى الإشارات والمعلومات المتفرّقة المتلاحقة ، يضع أمام الباحثين والمؤرّخين مادّة وافرة ، غنيّة بالندرة والغربة ، وقمينة بالنظر والتأمّل والتحرير ، تجلّي بإصرار أنّ ما تداولته الأجيال المتعاقبة ، من تحديد لشخصيّة الخليل النحويّة ، وتوزيع للمذاهب والأقوال والمصطلحات والآراء في ميدان الإعراب ، وتعميم أو تخصيص في نسبة الأحكام والتأصيل والتفريع والقياس والتعليل والاستنباط والتوجيه والاستدلال .. إنّما هو مسألة نظريّة لم تدرك مرحلة النضج للحقائق العلميّة الراسخة ، ولا بدّ فيها من إعادة البحث والتحقيق. ومعنى هذا أنّ تاريخ النحو ، في القرن الثاني ، ما زال في حاجة إلى الدراسة العلميّة الدقيقة الواعية المستقراة ، لنضع أسسا راسخة مبنيّة على الاستيعاب والإحكام.
وقد كنت كلّما قرأت في هذا الكتاب ، منذ اطّلعت عليه عام ١٣٨٠ ، تحضرني هذه المعالم والمعاني متلاحقة ، تثقل كاهلي ونفسي ، وتشعرني بالقصور