وبهذا الشكل تحدى القرآن كل المنكرين أن يأتوا بسورة من مثله ، كي يكون عجزهم دليلا واضحا على أصالة هذا الوحي السماوي وعلى الجانب الإلهي للرسالة والدعوة.
ولأجل أن يؤكد هذا التحدي دعاهم أن لا يقوموا بهذا العمل منفردين ، بل (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
كلمة «شهداء» تشير إلى الفئة التي كانت تساعدهم في رفض رسالة النّبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعبارة (مِنْ دُونِ اللهِ) إشارة إلى عجز جميع البشر عن الإتيان بسورة قرآنية ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وإلى قدرة الله وحده على ذلك.
وعبارة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) تستهدف حثّهم على قبول هذا التحدي ، ومفهومها:لو عجزتم عن هذا العمل فذلك دليل كذبكم ، فانهضوا إذن لإثبات ادعائكم.
طبيعة التحدي تقتضي أن يكون صارخا إلى أبعد حدّ ممكن ، وأن يكون محفّزا للعدو مهما أمكن ، وبعبارة اخرى أن يثير الحميّة فيه ، كي يجنّد كل طاقاته لعملية المجابهة ، حتى إذا فشل وأيقن بعجزه علم أنه أمام ظاهرة إلهية لا بشرية.
من هنا فسياق الآيات التالية ، يركز على عنصر الإثارة ويقول : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وهذه النار ليست حديث مستقبل ، بل هي واقع قائم : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
جمع من المفسرين قالوا : إن المقصود بالحجارة : الأصنام الحجرية ، واستشهدوا لذلك بالآية الكريمة : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١).
جمع آخر قالوا : (الحجارة) إشارة إلى صخور معدنية كبريتية تفوق حرارتها
__________________
(١) الأنبياء ، ٩٨.