وبعد الإشارة إلى ثمار الجنّة المتنوعة تقول الآية : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ).
ذكر المفسرون لهذا المقطع من الآية تفاسير متعددة : قال بعضهم : المقصود من قولهم: (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) هو أن هذه النعم أغدقت علينا بسبب ما أنجزناه من عمل في الحياة الدنيا ، وغرسنا بذوره من قبل.
وقال بعض آخر : عند ما يؤتى بالثمار إلى أهل الجنّة ثانية يقولون : هذا الذي تناولناه من قبل ، ولكنهم حين يأكلون هذه الثمار يجدون فيها طعما جديدا ولذّة اخرى، فالعنب أو التفاح الذي نتناوله في هذه الحياة الدنيا مثلا له في كل مرّة نأكله نفس طعم المرّة السابقة ، أمّا ثمار الجنّة فلها في كلّ مرّة طعم وإن تشابهت أشكالها ، وهذه من امتيازات ذلك العالم الذي يبدو أنه خال من كل تكرار!
وقال آخرون : المقصود من ذلك أنهم حين يرون ثمار الجنّة يلقونها شبيهة بثمار هذه الدنيا ، فيأنسون بها ولا تكون غريبة عليهم ، ولكنهم حين يتناولونها يجدون فيها طعما جديدا لذيذا.
ويجوز أن تكون عبارة الآية متضمنة لكل هذه المفاهيم والتفاسير ، لأن ألفاظ القرآن تنطوي أحيانا على معان (١).
ثم تقول الآية : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) ، أي متشابها في الجودة والجمال. فهذه الثمار بأجمعها فاخرة بحيث لا يمكن ترجيح إحداها على الأخرى ، خلافا لثمار هذا العالم المختلفة في درجة النضج والرائحة واللون والطعم.
وآخر نعمة تذكرها الآية هي نعمة الأزواج المطهرة من كل أدران الروح والقلب والجسد.
أحد منغّصات نعم الدنيا زوالها ، فصاحب النعمة يقلقه زوال هذه النعمة ، ومن
__________________
(١) في بحث «استعمال اللفظ في أكثر من معنى» أثبتنا إمكان هذه الأمر.