وما المقصود من (فَما فَوْقَها) للمفسرين في هذه رأيان :
الأوّل : «فوقها» في الصغر ، لأن المقام مقام بيان صغر المثال. وهذا مستعمل في الحوار اليومي ، نسمع مثلا رجل يقول لآخر : ألا تستحي أن تبذل كل هذا الجهد من أجل دينار واحد؟! فيجيب الآخر : لا ، بل أكثر من ذلك أنا مستعد لأبذل هذا الجهد من أجل نصف دينار! فالزيادة هنا في الصغر.
الثّاني : «فوقها» في الكبر. أي إن الله يضرب الأمثال بالصغير وبالكبير ، حسب مقتضى الحال.
لكن الرأي الأوّل يبدو أنسب.
ثم تقول الآية : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ). فهؤلاء ، بإيمانهم وتقواهم ، بعيدون عن اللجاجة والعناد والحقد للحقيقة. ويستطيعون أن يروا الحق بجلاء ويدركوا أمثلة الله بوضوح.
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً).
هؤلاء يعترضون على هذه الأمثلة لأنّها لا تهدي الجميع ، ويزعمون أنها لو كانت من عند الله لاهتدى بها النّاس جميعا ، ولما أدّت الى ضلال أحد! فيجيبهم الله بعبارة قصيرة تحسم الموقف وتقول : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).
فكل هذه الأمثلة من الله ، وكلها نور وهداية ، لكنها تحتاج إلى عين البصيرة التي تستفيد منها ، ومخالفة المخالفين تنطلق من نقص فيهم ، لا من نقص في الآيات الإلهية (١).
__________________
(١) جمع من المفسرين قالوا : إن عبارة (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً)...ليس حكاية عن لسان المشركين ، بل هو حديث الله.
ويكون المعنى بذلك «أن الله يجيب على هؤلاء المعترضين الذين قالوا:(ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً)؟ويقول سبحانه:إن الله يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، ولكن لا يضل إلا الفاسقين».(أما التّفسير الأول فيبدو أنه أصح).