والحياة بعد الموت : (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ).
ويأتي ذكر المعاد في سياق هذه الآية ليبين أن مسألة الحياة بعد الموت (المعاد) مسألة طبيعية جدا لا تختلف عن مسألة إحياء الإنسان في هذه الدنيا بل إنها أيسر من الخلق الاول (مع أن السهل والصعب ليس لها مفهوم بالنسبة للقادر المطلق). وهل بمقدور إنسان أن ينكر إمكان المعاد وهو يرى أنه خلق من عناصر ميتة؟!
وهكذا ، وبعبارة موجزة رائعة يفتح القرآن أمام الإنسان سجل حياته منذ ولادته وحتى بعثه.
وفي نهاية الآية يقول تعالى : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). والمقصود بالرجوع هو الرجوع إلى نعم الله تعالى يوم القيامة. والرجوع غير البعث. والقرآن يفصل بين الاثنين كما في قوله تعالى:(وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (١).
قد يكون الرجوع في الآية الكريمة إشارة إلى معنى أدقّ ، هو إن جميع الموجودات تبدأ مسيرة تكاملها من نقطة العدم التي هي نقطة «الصفر» وتواصل السير نحو «اللانهاية» التي هي ذات الله سبحانه وتعالى. من هنا فإن هذه المسيرة لا تتوقف لدى الموت ، بل تستمر في الحياة الاخرى على مستوى أسمى.
بعد ذكر نعمة الحياة والإشارة إلى مسألة المبدأ والمعاد ، تشير الآية إلى واحدة اخرى من النعمّ الإلهية السابقة وتقول : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
وبهذا تعيّن الآية قيمة الإنسان في هذه الأرض ، وسيادته على ما فيها من موجودات. ومنها نستطيع أن نفهم المهمّة العظيمة الثقلية الموكولة إلى هذا المخلوق
__________________
(١) الأنعام ، ٣٦.